السياسة الشرعية والسلطات المتحكمة بها
تتحكم بالسياسة الشرعية ثلاث انواع من السلطات التي تمكن من اتخاذ الأحكام والقرارات، وهي ما سنناقشها في هذا المقال.
سلطات السياسة الشرعية
السلطة التنظيمية
ماهي؟
من السياسة الشرعية هي السلطة التنظيمية وهي الجهة التي تملك إصدار قواعد ملزمة تحكم تصرفات المواطنين وغيرهم في حدود سياسة الدولة ويطلق عليها سلطة تشريعية وفي الإسلام إنشاء الشرع ابتداء يختص به الله تعالى وحده فإليه يرجع الأمر في التحليل والتحريم قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ} وأما تبني وإظهار حكم مستمد من الشريعة فإن الله عز وجل امر عباده المؤمنين بالرجوع إلى كتابه وسنة رسوله لاستنباط حكم الله تعالى وإظهاره.
فالشريعة الإسلامية هي سلطة تشريعية من أهم السلطات لأنها تابعه لله وحده. وهذه الضمانة في التشريع الإسلامي جعلت النظام السياسي في الإسلام يقوم على أسس تمنع استبداد الأفراد أو الجماعات وتحفظ الحريات الفردية وتحول دون استغلال السلطة. فقواعد الشريعة ومبادؤها تمنع الاستبداد؛ لأنها جاءت بأنظمة وتشريعات لجميع جوانب الحياة تمنع الحاكم وجميع الولاة من تجاوزها ولذلك يخطئ من يرى أن الفصل بين السلطات بحد ذاته كفيل بمنع الاستبداد وحفظ الحرية الفردية.
الأدلة الشرعية
الأدلة الشرعية التي تعد مصادر للتشريع والتنظيم هي:
- الكتاب
- السنة
- الإجماع
كما تعتبر الشريعة القياس دليلاً لإظهار الأحكام والقواعد الشرعية وتجعل الإمام الحق في أن يتبنى ما ثبت لديه حجيته من الشريعة.
وفيما يلي بيان مصدر التشريع الأساسي في الدولة الإسلامية المتمثل في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
أولاً: القرآن الكريم:
القرآن الكريم هو كلام الله جل جلاله منزلا على رسوله الكريم نزولا ثابتا متواترًا. في الأمر بالرد الى الله يعني الرد الى كتابه والقرآن تبيان لكل شيء من حيث انه قد أحاط بأصول ما يلزم لحفظ المقاصد التي يقوم عليها أمر الدين والدنيا بالمحافظة عليها ينتظم شأن الأفراد والجماعات وهي المقاصد الخمسة:
- الدين
- النفس
- العقل
- النسل
- المال
ونزلت الأحكام المشروعة لحفظ المقاصد من جهتين:
- حفظ أصل وجود المقاصد بقواعدها وأركانها وتقويتها
- حفظ بقائها بحمايتها من عوامل الفساد وأسباب الانحلال
ثانيًا: السنة
السنة هي ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير في السنة هي المصدر الثاني لأخذ الأحكام المتعلقة بنظام الحكم وما يحتاج إليه الإنسان في أمور دينه ودنياه يقول الله سبحانه وتعالى في الأمر بالتزام سنة النبي صلى الله عليه وسلم والأخذ بها وبناء الأحكام عليها قال تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) فالسنة تكون موافقة لما جاء من أحكام في القرآن أو مبينة وموضحة لحكم في القرآن، أو تكون موجبة لما سكت القرآن عن إجابه أو محرمة لما سكت القرآن عن تحريمه
- إن هذين المصدرين الكتاب والسنة قد طرقا بأحكامهما أبواب الحياة وفيهما ما يكفل سلامة المقاصد الخمسة التي يقوم عليها أمر الدنيا والدين فسن من الأحكام في المعاملات والجنايات ونظام الأسرة وعلاقات الدول بعضها ببعض ما يحفظ به المقاصد الخمسة التي سبق ا ايضاحها وإذا استقرينا ما ورد في الكتاب والسنة وجدنا ما يلي:
- أن هذين المصدرين قد ارشدا بما في نصوصهما من التعليل وضرب الامثال إلى ضرورة استخدام المقاييس الشرعية عندما يعوز الأمر إلى شيء من ذلك
- 3. فيما يختلف باختلاف الظروف والأحوال فقد وضعت له المبادئ العامة التي لا يصح الإخلال بها في قانون من القوانين
- ارشدت الشريعة إلى مبدأ سد الذرائع وضرورة تحكيم العرف وما تجري به العادة عند كل أمة
- ان مختلف أحوال العصور والأمم قابلة للتشكيل على نحو أحكام الكتاب والسنة دون حرج ولا مشقة ولا عسر
السلطة القضائية
تقوم السلطة القضائية في الإسلام بتطبيق الأحكام الشرعية بالفصل في الخصومات وتوقيع العقوبات وفقًا لها في القضاء تبين الحكم الشرعي والالزام به وفصل الخصومات لذلك يعد القضاء من الأسس والقواعد التي تقوم عليها أي دولة فعن طريق القضاء يتم دفع الظلم ونصرة المظلوم ومنع الاعتداء على الأمن والحرمات ولأهمية السلطة القضائية اهتم بها الإسلام وعدها من أعظم الولايات العامة ووضع لمن يتولاها شروطًا خاصة تضمن تحقيق هدف هذه السلطة بل الوظيفة القضائية عندما كان يتولاها الخلفاء والأمراء لم تتأثر في استقلاليتها وأول من دفعه إلى غيره وفوض فيه عمر -رضي الله عنه- وإنما كانوا يقلدون القضاء لغيرهم وأن كان مما يتعلق بهم لقيامهم بالسياسة العامة و كثرة أشغالها.
الإسلام في التشريع الاسلامي
فالأمام أو القاضي حينما يجتهد إنما يفعل ذلك لا بوصفه خليفة أو قاضيًا وإنما باعتباره مجتهدًا يستنبط الأحكام الشرعية يقول الله تعالى: (إِنَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَآ أَرَىٰكَ ٱللَّه) فالجميع تحت حكم الله وهي الضمانة التي جعلت استقلال القضاء في الإسلام لا نظير له في الأنظمة الوضعية واقتداء بمنهج عمر رضي الله عنه في القضاء اشترط الفقهاء فيمن يتولى القضاء شروطًا وصفات مستنبطة من الكتاب والسنة وهذه الشروط تعد من ضمانات استقلال القضاء وعدله في الشريعة الإسلامية.
ومن ضمانات القضاء في الشريعة الإسلامية المقاصد الشرعية التي شرع من أجل تحقيقها القضاء ويجب مراعاتها في جميع مراحل القضاء ومنها:
- الفصل في الخصومات بطريق الصلح بين الخصوم أو القضاء نصرة المظلوم بإيصال حقه وأنصافه من ظالمه
- مكافحة الفساد وردع المفسدين بالحكم عليهم بعقوبات شرعية زاجرة إقامة العدل بين الناس بإعطاء كل ذي حق حقه
- إحلال النظام محل الفوضى وتحقق الامن بإظهار الحقوق وقمع الباطل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن القضاء العادل يعتبر من أبرز انواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
السلطة التنفيذية
وهي الأعمال المنفذة من قبل ولاة الأمر وتشمل جميع عمال الدولة. بما يلزم تدبير شؤون البلاد ما عدا التنظيم والقضاء. وتشمل ما تتطلبه مرافق البلاد من نظم مالية وتعليمية وحربية وزراعية واقتصادية وغيرها. وتستوجبه سياسة موظفي الدولة من نظم تعيينهم وعزلهم والاشراف عليهم و تحديد وظائفهم واختصاصهم. بما يقتضيه في السلطة التنفيذية تتمثل في ولي الأمر باعتباره رئيسًا للسلطة التنفيذية. ومما يشمله مفهوم السلطة التنفيذية الوزراء والولاة في جميع قطاعات الدولة الإسلامية .
الضوابط الشرعية للمصلحة المعتبرة:
- اندراج المصلحة في مقاصد الشارع ومقاصد الشارع في خلقه تنحصر في حفظ الأصول الخمسة.
- عدم معارضتها للقرآن الكريم قال تعالى: (وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنۢ بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ)
- عدم معارضتها للسنة
- عدم المعارضة للقياس، ويعتبر القياس أساس مراعاة المصالح بالنسبة للمساواة في الأصول أو في علة حكمه المنصوص عليه.
- عدم تفويتها مصلحة اهم منها أو مساوية لها ،فالشريعة قائمة على أساس مصالح العباد. لأن المقصود بمراعاتها لمصالحهم أنها تقضي بتقديم الأهم منها على ما هو دونه. وبالتزام المفسدة الدنيا لاتقاء الكبرى فهذه الضوابط الخمسة يجب أن تنضبط بها المصلحة حتى يناط بها الحكم الشرعي.