مع زيادة التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي تدخلت تكنولوجيا المعلومات وتقنيات الاتصال في مختلف جوانب الحياة، ووصلت إلى مرحلة لم تترك مجالاً من مجالات الحياة المختلفة إلا دخلته وأصبحت الحياة غير قابلة للاستغناء عنها. فأصبح قياس تقدم الدول وارتفاع مستوى دخل سكانها يعتمد بشكل كبير على تقدمها الرقمي ومقدار الفجوة الرقمية بها باعتبار عصرنا الحالي هو العصر المعلوماتي أو العصر الرقمي الذي يعتمد على المعلومات وانتاجها في صور متعددة وهائلة الحجم.
اتجه الاقتصاد العالمي الجديد أو الاقتصاد الرقمي المبني على الحصول على المعلومات والوصول لها بشكل كبير للثورة الرقمية وأصبحت العديد من الشركات التقليدية تحأول اللحاق بركب الثورة الرقمية لتحقيق النجاح والتقدم، وهذا ما يفتح آفاق جديدة في توظيف ثورة الاتصالات وما يلازمها من تكنلوجيا المعلومات.
ولكن لا نستطيع نكران وجود تفاوت بين الجماعات والدول في فرص الحصول على الثورة الرقمية، وهذا التفاوت في الفرص والتقدم ينظر إليه بمفهوم الفجوة الرقمية التي تعتبر من شيء مهم جداً في صناعة وتطبيق السياسات التي نستخدمها للتطور والارتقاء للمعرفة، فالتعرف على الفجوة الرقمية وفهمها لعمل منها فرصة للتخطيط والتنفيذ لسياسات النهضة، بما يسمح بردم هذه الفجوة والانتقال إلى مرحلة الاستثمار في المعرفة.
الفجوة الرقمية:
عُرف مصطلح الفجوة الرقمية في السنوات الأخيرة واستخدم للتعبير على الحد الفاصل في الوصول للمعلومات والمعرفة واستخدامها بين الدول المتقدمة والدول النامية. وظهر في بادئ الأمر في عام 1995م في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق تقرير ” السقوط من فتحات الشبكة ” بوسطة وزارة التجارة الأمريكية الذي أصبح عالمي الاستخدام، فترتبط الفجوة الرقمية بعدة أشياء تمكن من قياس العطاء الرقمي وقوته بتوظيفه في مختلف المجالات، الاقتصادية، التجارية، المعلوماتية، العلمية، والمعرفية وغیرها.
تعريف الاتحاد الدولي للاتصالات:
الفجوة الرقمية هي: “الاختلاف بين من يملك ومن لا يملك فرص النفاد أو الوصول إلى المعلومات عبر وسائل وتقنيات الاتصال (الهاتف الثابت والمحمول والحاسوب والانترنت وخدمة الحزم العريضة) وقد تكون الفجوة بين البلدات المتقدمة والنامية أو بين البلدان ضمن المجموعة الواحدة أو في البلد الواحد أي بين الريف والمدينة أو بين السكان بحسب خصائص العمر والجنس والدخل والعرق”.
فنستطيع تعريف الفجوة الرقمية بشكل عام بأنها: مدى توافر شبكات الاتصال والقدرة على الحصول على وسائل النفاذ إليها، وذلك يشمل التوعية والتعليم بها واستخدامها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، لدعم الحصول على المعرفة وإنتاج معرفة جديدة، بمساعدة مؤسسات البحث والتطور.
ونستطيع تعريف الفجوة الرقمية من ثلاث اتجاهات:
أولاً: الاتجاه السياسي:
هي إشكالية مندرجة تحت قضايا الاقتصاد السياسي. ويتوجب فيها فرض سياسة تحمي المجتمع من التغيرات المعلوماتية التي قد تسبب فوضى لإيجاد حل لها.
ثانياً: الاتجاه الاقتصادي:
هي نتيجة لمحدودية استغلال المعلومات والاتجاه لاقتصاد المعرفة والاندماج في الاقتصاد العالمي، عن طريق تحرير الأسواق والخدمات أمام سير المعلومات.
ثالثاً: اتجاه الاتصالات:
هي مشكلة عدم وجود شبكات الاتصال ومحدودية قدرة الدخول إليها. ويجب فيها توفير بديل قليل السعر لنشر الشبكات على أوسع نطاق وتمكن أكبر قدر من الأشخاص للحصول عليها.
أسباب الفجوة الرقمية:
تواجد الفجوة الرقمية وانتشارها على النطاق العربي والنطاق العالمي يُلزِمنا بالنظر لأسبابها على النطاقين، لمعرفة أوسع وأشمل:
النطاق العالمي:
تنقسم أسباب الفجوة الرقمية على النطاق العالمي إلى أربعة أسباب:
- الأسباب التكنولوجية: يعد سرعة التقدم التكنولوجي واحداً من أهم أسباب الفجوة الرقمية بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة. فسرعة تطور الأجهزة الذكية ونظم الاتصالات تُصعب على البلدان النامية مواكبتها. وبسبب التقدم التكنولوجي عانت الكثير من الشركات الاحتكار التكنولوجي لشركات التقنية الكبرى. بسبب ارتفاع أسعار الاستثمار في العتاد المصنع للأجهزة الذكية وبرمجياتها، مثل احتكار شركة مايكروسوفت أنظمة التشغيل (ويندوز).
- الأسباب السياسية: من أهم الأسباب السياسية هيا مساندة المنظمات الدولية لطرف الدول المتقدمة التي تملك حق الفيتو، فتتجه إلى أخذ القرارات التي تصب في مصلحتها دون الالتفات للمصالح العامة لكافة الدول. سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على المعلومات عن طريق احتكارهم لمؤسسات الانترنت. التي تحتوي على البروتكولات الخاصة بتشغيل البنية التحتية والشبكات العالمية على النطاق العالمي وفقاً لمصالحها الخاصة
- الأسباب الاقتصادية: يعتبر ارتفاع تكلفة توطين تكنولوجيا المعلومات عاملاً أساسيا في الفجوة الرقمية. حيث تتناسب تكلفة الاتصالات بشكل عكسي مع مستوى الدخل في العالم. اختلاف سعر الاتصالات بين الدول حيث إن تكلفتها في بنغلاديش أضعاف تكلفتها في الولايات المتحدة الأمريكية. وكلما قلة تكلفتها تقل معها مميزاتها في الوصول إلى المعلومات الرقمية
- الأسباب الاجتماعية والثقافية:
- محدودية التعليم أو انعدامه: فتعد الأمية من الأسباب الاجتماعية الأولى في الجهل بالعالم الرقمي وتقنية الاتصالات.
- الإعاقات البدنية: أصحاب الهمم من المكفوفين وضعاف البصر لا يستطيعون استخدام كافة الوسائل الرقمية. لعدم مقدرتهم من رؤية المكتوب أو الحصول على التعلم التكنولوجي.
- الفقر: قلة المقدرة المالية من القضايا المجتمعية المهمة، ومن اللازم التنويه على عدم قدرة ذوي الدخل المحدود من الحصول على الخدمات الرقمية.
- الأمية التكنولوجية: يعاني العديد من عدم المعرفة بالأجهزة الحديثة وكيفية عملها، حتى مع قدرتهم على الوصول إليها.
النطاق العربي:
- تتجه الدول العربية إلى شراء المعلومات دون صنعها ونقلها، ولهذا استخدام تكنولوجيا الاتصالات في العالم العربي تعد ظاهرة حضرية ترتكز في المدن. وتوظف بشكل استهلاكي وترفيهي وليس تنموي وهذا يجعل الاعتماد على طرق الغرب في استغلال تكنولوجيا الاتصالات مرجعاً.
- تأخر اتجاه المدارس العربية على التعليم عن طريق تكنولوجيا الاتصالات بعقود عن العالم الغربي. الذي لم يبدأ حتى ظهور جائحة كوفيد-19 في عام 2020 واتجاه العالم بأجمعه للتعليم عن بعد.
- ارتفاع أسعار خدمات الانترنت والأجهزة الذكية بشكل مبالغ به. حتى أنها كانت من أعظم المعيقات التي واجهت العملية التعليمية والعملية عن بُعد في ظل جائحة كوفيد-19. لعدم تمكن الكثير من أولياء الأمور والعاملين في الأعمال البسيطة من توفير الأجهزة الذكية لاستمرار حياتهم ودراستهم وعملهم.