سنناقش النفقة وأهم أحكامها:
المقدمة:
نعم الله سبحانه وتعالى كثيرة جدا ومن أعظم النعم التي انعم علينا بها هي نعمة المال والرزق، هذه النعمة هي المسبب والمؤدي لكثير من النعم. وهذا المال مال الله يودعه عباده ليختبرهم أيشكروا أم يكفروا، وهناك الكثير من الطرق لمباركة هذا المال وشكر الله عليه ومنها الإنفاق.
قال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)
قيل: على حب الله تعالى.
وجعلوا الضمير عائدا لله والأظهر ان الضمير عائد على الطعام أي يطعمون الطعام في حال شهوتهم له.
حكم تجويع الأسرى والتلاعب والضغط عليهم او اتخاذه نوع من تاعقوبة: لا يجوز ولو كانوا اسرى في حرب مشروعه
قال تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
ضرب الله المثل بمضاعفة الحسنات للمنفقين بمن بذر بذرة طيبة فأخرجت سبع سنابل في السنبلة الواحدة مئة حبه فكأنما تضاعفت الحبه الى سبعمائة حبة والله يضاعف الحسنات لمن يستحقها والله واسع الفضل.
وجه الربط: لما ذكر قصة المار على قرية وقصة إبراهيم كدليل على البعث، ذكر الإنفاق كما ينتفع به يوم البعث.
حكم الانفاق خالصا لوجه الله: الثواب المضاعف والجزاء من الله تعالى.
آداب النفقة:
قال تعالى:( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
يبين الله تعالى أن من يبذل أمواله في وجه الخير يبتغي مرضاة الله ولا يلحقون ما بذلوه منّا ولا أذى، فهؤلاء لهم اجر عظيم ولهم ألا يخافوا مما هو آتي ولا يحزنون على ما مضى.
وجه الربط:
لما عظم أمر الانفاق في سبيل الله أتبعه ببيان الأمور التي يجب تحصيلها للحصول على الثواب، ومنها ترك المنّ والأذى.
قال تعالى: (قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)
ثم يخبر الله تعالى أن رد السائل بالقول اللين والدعاء والأقوال الحسنة التي تبهج قلبه وكذلك ستر حاجته والتغاضي عن هفواته أفضل من تقديم صدقة بها أذى وهو حليم لا يعجل بالعقوبة مع قدرته عليها.
وجه الربط:
عندما حثّت الآيات السابقة على الإنفاق وبيان عدم المنّ والأذى في الصدقات قال تعالى والله غني حليم، لأن الله غني عن هذه الصدقات فضلا عن المتبوعة بالأذى وحليم على من أتبعها بالمنّ فهذا من كبائر الذنوب.
حكم اخبار المنفق بأنه أعطى فلانا دون منّ منه: يعتبر من الأذى، لأن المعطى تنزل قيمته عند من علم به.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)
ينهى الله من احباط المسلمين لأجر صدقاتهم عن طريق الأذى أو المنّ للمتصدق عليه فيتشبهون بالمنافقين الذين ينفقون أموالهم من اجل ثناء الناس فقلوب هؤلاء المنافقين في قسوتها وعدم انتفاعها بأعمالها يشبه الحجر الأملس يعلوه تراب يحسب من رآه انه صالح للإنبات فيصيبه مطر غزير فيذهب ما على الحجر من التراب فيتركه صلبا كما كان من قبل لا امل فيه والله لا يوفّق الكافرين.
وجه الربط:
بعد أن شرط عدم اتباع الصدقة بالمنّ والأذى لم يكتف وإنما جعلها مبطلات للصدقة ونهى عن ابطال الصدقات بها.
الأحكام:
الصدقة التي يتبعها منّ أو أذى: تبطل الصدقة ولا أجر له.
الإنفاق رياء: تبطل صدقته.
المنفق ليقال عنه سخي: يسحب على وجهه يوم القيامة ويلقى به في النار.
النفاق: كفر.
قال تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)
ثم ضرب الله مثلا لمن يبذلون أموالهم ابتغاء مرضاة الله من دون أذى أو منّ، نفقتهم كمثل بستان كثير الشجر والظلال بمكان مرتفع من الأرض فكان خصب ومنتج ويسقى من السماء فإما يصيبه مطر غزير فيكثر انتاجه واما مطر خفيف فيكفيه ليؤتي ثماره، وكذلك الله يبارك نفقة المؤمن سواء قلّت أو كثرت.
وجه الربط:
بعدما ذكر الله تعالى المنفق المؤذي، ذكر المنفق الذي ينفق طالبا مرضاة الله.
حكم الإنفاق ابتغاء مرضاة الله: واجب.
قال تعالى: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)
أيرغب أحدكم أن يكون له بستان من أشجار النخيل والعنب، وبه جميع أصناف الثمار وأحسنها، تجري فيه المياه وتسقيه بدون تعب أو نصب وله صاحب كبر سنه وله ذرية ضعاف لا يستطيعون القيام بأمورهم يعولهم، فهبت رياح قوية فيها نار حرقت بستانه فكم سيكون في قلبه من حسرة وألم. كمثل حال من أنفق لوجه الله حتى حقق الأجر العظيم ثم أفسده بالمنّ والأذى فخسر الأجر.
وجه الربط:
استئناف بياني أثاره ضرب المثل للمنفق بمثل حبة أنبتت سبع سنابل ومثل جنّة بربوة ولما أتبع أن ذلك للمنفقين الذين لا يتبعونها بالمنّ والأذى ثم أتبع بالنهي عن المنّ والأذى وضرب لهم مثل ليوضح حالهم.
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ ۖ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)
حث الله عباده أن يخرجوا الصدقات من أجود أموالهم الحلال ومما رزقهم الله من ثمار وزرع ونهى عن التصدق بالمال الرديء وأمرهم أن يتيقنوا أن الله غني حميد.
وجه الربط:
بعد ذكر فضيلة الإنفاق في سبيل وجهه سوء عاقبة المنّ والرياء حث على الإنفاق مع بيان ما يُنفق من المال.
حكم الزكاة في عروض التجارة: واجب.
حكم الزكاة في الخارج من الأرض: واجب.
قال تعالى:(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)
يخبر الله تعالى المؤمنين أنه يعدهم مغفرة لأخطائهم وأن يعوضهم فيما تصدقوا به ويزيدهم في أرزاقهم وأما الشيطان فيخوفهم بالفقر إذا تصدقوا ليمنع عنهم الأجر العظيم.
وجه الربط:
لمّا رغّب الله في إنفاق أجود المال، حذّر من وسوسة الشيطان.
قال تعالى: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)
أن الله يمن على من يشاء بالخير العظيم وهوا الحكمة ولا يمتثل لأمر الله وينتهي بنهيه الا أصحاب العقول الكاملة.
وجه الربط:
بعد أن أمر الله بهذه الأوامر العظيمة ولمّا ذكر أحوال المنفقين للأموال وما أعطاهم الله ورزقهم من الصدقات التي انفقوها ذكر ما هو أفضل من ذلك وهي الحكمة التي كانت من أفضل ما يتقرب به الى الله.
قال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ۗ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)
يخبرنا الله أننا لا نخرج صدقة أو نلتزم بنذر الا ويعلمه الله ويجازينا به وأن هناك عقاب لمن لا يخرج من ماله ما هو مفروض عليه أو لا يوفِ بنذره.
وجه الربط:
بعد بيان الله عن الإنفاق بأجود الأموال حث على هذا.
حكم النذر بالصدقة: يجب الوفاء به لأنها نذر طاعة.
قال تعالى: (إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)
يخبرنا الله أن اظهارنا للصدقات لا بأس به ما دام أنها لوجه الله بدون رياء وان اخفيناها وتصدقنا سرا فهو أفضل، ويكفر الله عن ذنوبنا بالصدقات المعلن منها والمخفي والله عليهم بالأعمال ويجازي بها.
وجه الربط:
بعد أن بين الله أن هناك إنفاق بمنّ وأذى واخر لوجه الله وذكر حكم كل من القسمين ثم ذكر أنه قد يكون من مال جيد أو من مال رديء وذكر حكمها، ذكر في هذه الآيه أن النفاق قد يكون ظاهرا وقد يكون خفيا.
هل في اظهار الصدقة حرمان من الأجر؟ لا ينقص أجره إذا كانت النية فيه مصلحة.
أيهما أفضل صدقة السر أو العلانية؟ صدقة السر أفضل لكن إذا ترتب في اظهارها مصلحة او اقتداء الناس فيظهرها.
الفوائد التربوية:
- ضرورة الإخلاص لله في العمل.
- فضل الله أكثر من عمل العامل.
- الحث على الإنفاق في سبيل الله.
- لا أجر لمن أتبع صدقته منّ وأذى.
- الإخلاص شرط سابق لقبول الصدقة، والمنّ والأذى مبطلات لاحقة.
- الحث على المغفرة للإساءة.
- الأعمال الصالحة تتفاضل بتفاضل العامل.
- الواجب بالأعمال: ابتغاء مرضاة الله وقصد تطهير النفس من شوائبها.
- المنّ والأذى منافيان لكمال الإيمان.
- الرياء بالإنفاق يعادل نقص الإيمان.
- الحث على التفكّر.
- من مقتضى الإيمان امتثال أمر الله واجتناب نهيه
- أن إخفاء الصدقة أفضل من إبدائها.