أنزل الله الشريعة الإسلامية خاتمة لجميع الشرائع. فتميزت الشريعة الإسلامية على غيرها من الشرائع السماوية في شموليتها جميع أصناف البشر وأعمارهم ونواحيهم ومراحلهم.. ومن ضمنها مرحلة الطفولة وأن العنصر الأهم في معالجة الإسلام لقضية حقوق الطفل. أن الإسلام اعتبر أن الحقوق ثابتة ومفروضة للإنسان بإرادة الله تعالى.
حقوق الطفل ما قبل الولادة
اختيار الزوج
هو الأصل في الحقوق الأخرى، إذ تبنى عليه جملة الحقوق للطفل. فهو كأساس البنيان إن صلح الأول صلح الثاني والعكس صحيح. فتتكون البيئة الصالحة من أساس يسهم إيجابا في تربية الطفل على الأخلاق الفاضلة ..
وهناك عدد من الشروط اللازمة لاختيار الزوج والزوجة لبعضهما، وهي كالتالي:
- الدين: قال ﷺ: [إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير] رواه الترمذي، وقوله ﷺ: [تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك] رواه مسلم؛ وبهذا يتمثل الزوج والزوجة الصالحين في دينهما بأن يكونا متماثلين لتعاليم الإسلام وقيمه قولاً وفعلاً وسلوكاً، الأمر الذي يترتب عليه سير الحياة الزوجية بسلاسة ويسر فيكون الحكم فيما ينشأ من تفاعلات أخذاً وعطاءً مأخوذاً من الدين.
- أصل الزوج: قال ﷺ: [الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في اٌسلام إذا فقهوا] رواه البخاري، وقال ﷺ: [تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء] رواه ابن ماجه. وقوله ﷺ: [إيَّاكم وخضراء الدمن، قالوا: وما خضراء الدمن؟ قال المرأة الحسناء في منبت السوء] الزرقاني؛ فيجب أن يكون الزوجين من أسرة معروفة ومشهود لها بالخلق القويم، حيث إن الناس يتفاوتون في أمور وصفات كثيرة وقد أثبت علم النفس الحديث وجود هذه الفروق الفردية بين الناس ترجع لتأثير عاملي البيئة والوراثة مجتمعين. ومن بين التشريعات التي حفظها الإسلام للأطفال هو حق النسب والذي ينتمي إليه الطفل إلى مماته. ولذلك أخذ الإسلام إجراءات تحفظ للطفل نسبه، وهي:
- تحريم الزنا: قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} (النور :2)
- تحريم الزواج بإمرأة حامل حتى تضع، وكذلك تحريم الزواج بالمطلقة والأرملة حتى انقضاء عدتها؛ حفاظاً على رابطة الدم من الافتعال والتزييف وضمان انتساب كل طفل لوالده.
- تحريم التبني، قال تعالى: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} (الأحزاب :4)
- سلامة الزوجين: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الأحزاب :13) وقال ﷺ: {لا تنكحوا القرابة فإن الولد يخلق ضاوياً} وجه الرسول ﷺ بالزواج من الأبعاد للابتعاد عن وقوع الأمراض الوراثية للأطفال من جانب، وخلق المزيد من التعارف بين المسلمين بما يمكن من زيادة الترابط للمجتمع الإسلامي من جميع العالم.
الحقوق المشتركة قبل وبعد الولادة
هي الحقوق التي تبدأ حيث يكون الطفل جنيناً في بطن أمه وبعد ولادته. وهو تأكيدا على الحرص على حقوق الطفل منذ بدايات تكوينه؛ ففي هذا السياق يمكن الإشارة إلى تحريم الإسلام للإجهاض. لأي سبب آخر غير سلامة الأم؛ كما كان في الجاهلية من وأد للبنات بين قبائل العرب.
فأتى قاوله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (الأنعام :151).
كما نهى الإسلام عن قتل الأطفال في الحروب والنزاعات، فعن بريدة رضي الله عنه، قال: [كان رسول الله ﷺ إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: (اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تَغُلُّوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليداً)].
حق التأذين والإقامة في أذني الطفل:
عن أبي رافع رضي الله عنه قال: [رأيت رسول الله ﷺ أذَّن في أُذن الحسن بن علي اليمنى حين ولدته فاطمة] رواه الترمذي. وقال ﷺ: [من ولد له ولد فأذَّن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى لم تضره أم الصبيان] رواه ابن القيم وشرح معناه بأن يكون أو ما يقرع سمع الإنسان كلمات النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته والشهادة التي يدخل بها الإسلام فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام حين دخول الدنيا، كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه وتأثره به وإن لم يشعر..
التحنيك:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال [ولد لي غلام فآتيت النبي ﷺ فسمَّاه إبراهيم، وحنَّكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ] رواه البخاري، ويقصد بالتحنيك هو أخذ طعام حلو بطرف الأصبع وفركه في سقف فم الطفل بشكل خفيف، ويُفضل قيام شخص متصف بالصلاح والتقوى بهذه العملية تيمناً للمولود بتقواه وصلاحه.
التسمية:
قال ﷺ: [من وُلد له ولد فليُحسن اسمه وأدبه]، وقوله ﷺ: [إن أحب أسمائكم إلى الله عز وجل عبدالله وعبدالرحمن] رواه البخاري، فالاسم علماً للمولود يُعرف به إلى مماته؛ فحث الإسلام على تسمية المولود بأفضل الأسماء وأحسنها معنى، كما كره الرسول ﷺ تسمية المولود بالأسماء التي تنقلب إلى ضدها إذا استخدمت في غير معناها.
فغير رسول الله ﷺ أسماء الكثير من الصحابة من أسماء الجاهلية لأسماء تتماشى مع الدين الإسلامي، كتسميته حرباً لسلماً .
الرضاعة:
قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ ۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ ۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (البقرة :233)
فشرع الإسلام للطفل حق الرضاعة للطفل سواء عن طريق أمه أو مرضعة أخرى.
العقيقة:
قال ﷺ: [الغلام مرتهن بعقيقته يذبح عنه يوم السابع] رواه مسلم، والعقيقة هي ذبح شاه بنية التقرب لله تعالى وإبداء مظاهر الفرح عند ولادة الطفل ذكراً كان أو أنثاً. والراجح في العقيقة الاستحباب برأي الفقهاء، وتذبح باليوم السابع ويجوز تأخيرها حسب الاستطاعة.
التعليم:
بناء على أول آية أُنزل على رسولنا الكريم ﷺ في قوله تعالى {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (العلق :1)؛ فحث الإسلام على التعليم وأهميته وأمر الإسلام بتعليم الطفل كل أمور حياته ودينه وليس فقط تعليم القراءة والكتابة واظهر أولوية تعليم الطفل ففي قوله ﷺ: [إن من حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويعلمه القرآن] ظهور واضح لحقوق الطفل في التعليم..
واهتم الخلفاء الصالحين بعد رسولنا الكريم ﷺ بالتعليم فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلوم ويُعنّف الأب بسبب عدم تعليمه لابنه. فقد أتى رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاكياً عقوق ابنه له. فأمر سيدنا باستدعاء عمر الابن ليعرف منه حقيقة الأمر. فقال الابن: إن أبي هذا ولدني من أم مجوسية ولم يعلمني شيئا وسماني جعلا. فقال سيدنا عمر: لقد عققته قبل أن يعقك..
النفقة:
تبدأ نفقة الطفل على الأب من مرحلة الحمل ولكن في هذه الحالة تكون الوالدة هي الأحق في النفقة لأن الجنين يتغذى منها فقال تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ۚ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ ۖ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ} (الطلاق :6).
وبعد ولادة الطفل يجب على الأب توفير النفقة له وإطعامه وإلباسه وتوفير مسكن آمن له.
الميراث:
وهو انتقال تركة الميت إلى ورثته الأحياء على سبيل الخلافة. سواء كانت التركة مالاً أم حقاً من الحقوق الشرعية لأسباب ثلاث، هي النسب والزوجية والولاء. وضح الله عز وجل ورسوله الكريم ﷺ بيان أنصبة أهل ورثة الميت من خلال تحديد نصاب كل وارث. ومن ذلك حق الطفل فيما تركه أبواه من مال. وأكد الإسلام على حفظ نصيب الطفل عند ولي عادل وأمين حتى يبلغ.
اللعب والترفيه:
للطلب ميل فطري للعب وهو من علامات الصحة الجسدية والنفسية. فهي مرحلة اكتشاف ومعرفة وتنمية وتطور وفيه من التعبير عن الشخصية وإمكاناته وهواياته. وقد أكد علماء التربية السلمين على أهمية إتاحة الفرصة الكاملة للطفل لممارسة الألعاب النافعة. وضرورة تضمين التعليم الديني باللعب والرفاهية حتى يقبل الطفل على أمور دينه بحب لله عز وجل ورغبة في أدائها..